تحقيق الاستقرار العقاري في الرياض- دور الحكومة واليد الخفية للسوق.

المؤلف: علي محمد الحازمي09.15.2025
تحقيق الاستقرار العقاري في الرياض- دور الحكومة واليد الخفية للسوق.

بتوجيه سامٍ من ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، صدرت أواخر مارس الماضي حزمة من التدابير الهادفة إلى إحداث توازن مستدام في القطاع العقاري، وذلك على إثر الارتفاع الملحوظ الذي شهدته مدينة الرياض في أسعار الأراضي والإيجارات خلال الأعوام القليلة الماضية. لا يخفى على أحد أن السكن يمثل ركيزة أساسية وأحد الضمانات الهامة في أي اقتصاد، فضلاً عن كونه أثمن ممتلكات الأسرة التي تؤثر بشكل كبير على قراراتها المتعلقة بالادخار والاستهلاك. ولطالما اعتُبر سوق العقارات ملاذاً استثمارياً آمناً ومحط أنظار المستثمرين.

على نطاق أوسع، يضطلع القطاع العقاري بدور محوري في تعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي. فالصناعات المرتبطة بهذا القطاع متشعبة ومعقدة، وتشمل طيفاً واسعاً من المستويات الاقتصادية المترابطة التي تحفز بدورها نمو صناعات أخرى. وبالتالي، فإن التقلبات الحادة في أسعار العقارات قد تلقي بظلالها على الاقتصاد بأكمله وتترك آثاراً ملموسة على المجتمع. لذا، يتعين على الاقتصاد الوطني أن يكفل التنمية المتوازنة والمستدامة لسوق العقارات. وتؤكد العديد من الدراسات والأبحاث على أن استقرار السوق العقاري يشكل ضرورة حتمية لضمان الاستقرار الاجتماعي للمواطنين وتعزيز الأمن الاقتصادي. وفي المقابل، يُعد تطوير قطاع الإسكان والحفاظ على استقرار سوق العقارات من الأولويات الرئيسية لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام على المدى الطويل.

وبناءً على هذه الحقائق والمعطيات، يتطلب التشغيل المستقر والفعال للنظام الاقتصادي العقاري تضافر جهود كل من آليات السوق وآليات التدخل الحكومي. فعندما يتزايد الطلب على المساكن في ظل محدودية العرض في سوق العقارات، فإن ذلك يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ويعيق استقرار السوق. ومن هنا، تبرز الحاجة الماسة إلى تدخل الحكومة من خلال وضع سياسات إسكانية فعالة لتنظيم عمل السوق العقاري وتعزيز نموه الصحي، بما يخدم أهداف التنمية المستدامة للمجتمع والاقتصاد.

ولتبرير الدور التدخلي للحكومة في السوق العقاري، غالباً ما تُصوَّر الحكومة على أنها المايسترو الذي يقود الأوركسترا أو حكم كرة القدم الذي يراقب سير المباراة، حيث تولي اهتماماً بالغاً بكل من العمليات والنتائج النهائية للأداء الاقتصادي العام. ويرى بعض الاقتصاديين أن السوق هو أداة للتنسيق الاجتماعي من خلال التكيف المتبادل بين المشاركين، بدلاً من وجود جهة مركزية تقوم بالتنسيق. ومع ذلك، أظهر الركود الاقتصادي العالمي الذي شهده العالم في عام 2008 أن آليات التكيف المتبادل قد لا تكون كافية لمواجهة "فوضى السوق" الناجمة عن الندرة أو السلوك الأناني أو الاحتكار الذي يعرقل عجلة النمو الاقتصادي.

يمثل التدخل الحكومي آلية فعالة للتخفيف من حدة الفوضى التي قد تعتري السوق العقاري. فالواقع أن هذا السوق لا يمثل سوقاً مثالياً، بل يتميز بخصائص فريدة مثل تفاوت فرص الحصول على المعلومات بين الأطراف، والطبيعة غير المتجانسة للمنتج، ومحدودية التداول، وارتفاع تكاليف المعاملات، وانخفاض السيولة النسبية، وهي عوامل تؤثر بشكل مباشر على الاستخدام والاستثمار والتطورات في السوق. وبناءً على ذلك، يصبح تدخل الحكومة أمراً ضرورياً لضمان التوازن بين استخدام العقارات والاستثمار فيها وتطويرها، بما يخدم المصلحة العامة ويعزز التنمية المستدامة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة